سؤال يتردد على الشفاه منذ وقوع النكبة في فلسطين حتى اليوم، وعبثاً حاول المتسائلون الوصول الى جواب يكشف سراً، ويوضح سبباً، ويشفي صدراً!
فأسرار النكبة عميقة الغور تمتد جذورها عبر حدود فلسطين، وتتصل في كثير من اسبابها بما وراء كواليس السياسة العربية من اسباب وملابسات أدت بدول الجامعة العربية السبع، آنذاك، الى الفشل والهزيمة وشعب فلسطين الى التشرد!
ومنذ عام 1948، عام النكبة، الى يومنا هذا واللاجىء الفلسطيني البريء يقف وراء حدود الوطن ويتساءل والالم يُدمي صدره، والحسرة تأكل قلبه، ودموع المتباكين تنكأ جراحه! اذن... كيف ضاعت فلسطين؟.
وهنا يأتي دور التاريخ، والتاريخ لا يرحم ولا يجامل، ولا تأخذه في الحق لومة لائم!
ومن الحقائق التي دونها التاريخ عن حرب فلسطين، والنتائج التي انتهت اليها، يستطيع المواطن العربي في اي جزء من بلاد العروبة، ان يصل الى الجواب الذي طالما تساءلت عنه الملايين..
والواقع،. اننا لا نجهل ان لنكبة فلسطين اسباباً كثيرة سادها التعقيد لكثرة ما كتب عنها لا بدوافع الاخلاص المحض، وانما بدوافع الاتجار بالنكبة، مع الاسف، ومن جمله هذه الاسباب الفعاليات اليهودية وجهودها المستمرة، ونفوذ الهيئات اليهودية في كثير من دول الغرب، وبعض دول الشرق، على اننا نعتقد ان هذه الاسباب لا ترفع عن العرب المسؤولية التاريخية لما اصاب فلسطين!.
لقد قضت الدول العربية الحقبة الممتدة من كارثة 1948 الى عام 1954 وهي تحاول بمختلف الوسائل اقناع الدول الغربية ارغام اسرائيل على تنفيذ مقررات الامم المتحدة، وكانت تلك الدول تصم آذانها عن اي طلب، وتجيب ان الامر الواقع استبق تلك المقررات فأصبحت ذكرى للتاريخ، لا وثيقة للتنفيذ!!
حتى ذلك الحين، كانت الدول العربية متفقة على مبدأ التسوية، ولكن بعد وقوع النزاع بينها عام 1954 بات مستحيلاً على اي منها ان تتولى زمام المبادأة في بحث اي تسوية خشية ان تطعن دول عربية اخرى فيها، وهكذا اصيبت كل محاولة لبحث التسوية بالشلل، وتجمدت قضية فلسطين، في انتظار ما يقضي به علام الغيوب، واستفحل الشلل عندما طغى الصراع بين المعسكرين. وفي اعقاب الحرب العالمية الاولى وعندما هزمت الدول الغربية الدولة العثمانية فاحتلت عاصمتها استانبول أساطيل وجيوش خمس او سبع دول منتصرة، وعندما املى المنتصرون شروط الصلح كان مؤتمر الصلح قد قرر تكوين دولة للارمن في ولايات غربي الاناضول، أوضروم وؤن وديار بكر، وقرر ان تكون هذه الدولة تحت الانتداب الاميركي، واعتذرت اميركا عن قبول ذلك، لكن مصطفى كمال رفض قبل ان يجدوا لها دولة اخرى تقبل الانتداب عليها!.
وقرار مؤتمر الصلح ذاك كان من الوجهة القانونية والدولية اقوى بكثير من قرار هيئة الامم المتحدة الخاص بتقسيم فلسطين اذ ان قرار هيئة الامم ليس قراراً بل هو مجرد اقتراح او توصية من حق العرب ان يرفضوه و ان لا يعترفوا به، ورفضهم وعدم اعترافهم به هو عمل قانوني!
وفي الحرب العالمية الثانية كان الروس الذين احتلوا نصف ايران الشمالي قد اقاموا فيها دولة شيوعية واسبغوا عليها كل ما استطاعوا من الصفات، ولكن بعد انسحاب روسيا من ايران قضى جيش الشاه على تلك الدولة ولم ترسل روسيا جيشها ولا ارسلت متطوعين رغم انها كانت على حدودها مباشرة!.
وفي احدى حروب القرون الوسطى كانت روسيا قد اقتطعت من بولونيا ارضاً أقامت عليها دولة لليهود ولكن الشعب البولوني المغلوب ما لبث ان قاوم ذلك الوجود!.
فمن هو المسؤول عن نكبة الشعب الفلسطيني و قيام اسرائيل علي انقاضه؟
ان اسرائيل ليست مسؤولة امام اليهود، او امام العالم لانها اقامت نفسها، بل كانت لتكون مسؤولة لو لم تقم نفسها، وكل دولة من دول العالم مسؤولة عن مصالحها هي وليس عن مصلحة العرب، فكان من مصلحة بريطانيا ان تعطي وعد بلفور وكان من مصلحة اميركا وروسيا ان تعملا على تقسيم فلسطين فيما بينهما وان تعدا الاكثرية اللازمة من الاصوات لاقراره في هيئة الامم المتحدة.
وان بريطانيا التي كانت الحرب العالمية الاولى قد انهكتها مالياً وعسكرياً وكان عدوها لا يزال قوياً جداً كانت بحاجة الى نفوذ اليهود في اميركا لا لاقراضها مئات الملايين فحسب، بل لادخال اميركا بكل امكانياتها الى الحرب، وقد حققت مصلحتها المشتركة باخراج بربطانيا في هذا الجزء من العالم، ثم كانت لكل منهما مصلحة اخرى.
فمصلحة اميركا هي في الاصوات الانتخابية التي يملكها يهود اميركا والواقعين تحت نفوذهم.
اما مصلحة روسيا من اقامة دولة لليهود في بلاد العرب فهي لتغذية هذا القلق والاضطراب الدائم والمستمر في هذه البلاد لكي تستطيع ان تتدخل وها هي قد نجحت! اما فرنسا التي لم يكن لها اي ضلع قط ولم تصوت على قرار التقسيم بل خطب ممثلها خطبة لصالح العرب وانسحبت من الجلسة، فصارت الآن داعما لاسرائيل اكثر من سائر الدول!!.